الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

ولدى نصحتك لما صوتى اتنبح



القصة ليست فى الجن والغيلان ولكن ما يقبل وما لا يقبل  ، فى المنطق والتفكير السليم
.....................................

وكان أبو إسحاق ( ابراهيم بن سيار النظام ) يقول فى الذى تذكر الأعراب من عزيف الجنان ( صوت الجن ) وتغول الغيلان : أصل الأمر وابتداؤه أن القوم لما نزلوا بلاد الوحش عمِلت فيهم الوحشة . ومن انفرد وطال مقامه فى البلاد والخلاء والبعد من الإنس ، استوحش ، ولا سيما مع قلة الأشغال والمذاكرين 

والوحدة لا تقطع أيامهم إلا بالمُنى أو التفكير ، والفكر ربما كان من أسباب الوسوسة .ومن ابتلى بذلك غير حاسب ، كأبى يس ، ومثنى ولد القنافر

وخبرنى الأعمش أنه فكر فى مسألة ، فأنكر أهله عقله ، حتى حَمَوه وداوَوه

وقد عرض ذلك لكثير من الهند

وإذا استوحش الإنسان تمثل له الشئ الصغير فى صورة الكبير ، وارتاب وتفرق ذهنه ، وانتقضت أخلاطه ، فرأى ما لا يُرى ، وسمع ما لا يُسمع ، وتوهم على الشئ اليسير الحقير ، أنه عظيم جليل

ثم جعلوا ما تصور لهم من ذلك شعرًا تناشدوه ، وأحاديث توارثوها ، فازدادوا بذلك إيمانًا ، ونشأ عليه الناشئ ، وربى الطفل ، فصار أحدهم حين يتوسط الفيافى ، وتشتمل عليه الغيطان فى الليالى الحنادس ( جمع حندس وهى الشديدة الظلمة ) ، فعند أول وحشة وفزعة ، وعند صياح بومٍ ومجاوبة صدى ، وقد رأى كل باطل ، وتوهم كل زور ، وربما كان فى أصل الخلق والطبيعة كذابًا نفاجًا ( يفخر بالكذب ) ، وصاحب تشنيع وتهويل ، فيقول فى ذلك من الشعر على حسب هذه الصفة ، فعند ذلك يقول : رأيت الغيلان ، وكلمت السِّعلاة . ثم يتجاوز ذلك إلى أن يقول : قتلتها  ثم يتجاوز ذلك إلى أن يقول رافقتها ثم يتجاوز ذلك إلى  أن يقول تزوجتها

من كتاب "الحيوان " للجاحظ
تحقيق وتهذيب :عبد السلام هارون

هناك تعليق واحد: