عاب النبى صلى الله عليه وسلم التشديق ، وجانب أصحاب التقعير ، واستعمل المبسوط فى موضع البسط والمقصور فى موضع القصر ، وهجر الغريب الوحشى ورغب عن الهجين السوقى ، فلم ينطق إلا عن ميراث الحكمة ، ولم يتكلم إلا بكلام قد حف بالعصمة ، وشِيد بالتاييد ويسر بالتوفيق ، وألقى الله عليه من المحبة وغشاه بالقبول ، وجمع له بين المهابة والحلاوة وبين حسن الإفهام والإيجاز ، ومع استغنائه عن إعادته وقلة حاجة السامع إلى معاودته ، ولم تسقط له كلمة ولا زلت به قدم ، بل يبذ الخطب الطوال بالكلام القصير ، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم ، ولا يحتج إلا بالصدق ، ولا يطلب الفلج إلا بالحق ، ولا يتعين بالخلابة ولا يستعمل المؤاربة ، ولا يهمز ولا يلمز ، ولا يبطئ ولا يَعجل ، ولا يسهب ولا يحصر ، وما سمع كلامٌ قط اعم نفعًا ولا أصدق لفظًا ، ولا أعدل وزنًا ولا أجمل مذهبًا ، ولا اكرم مطلبًا ولا أحسن موقعًا ، ولا أسهل مخرجًا من كلامه صلى الله عليه وسلم
أبو عثمان الجاحظ
عن كتاب مختارات المنفلوطى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق