الاثنين، 25 يوليو 2011

هبوط آمن



آآآآآآه

هذا الارتباك والاضطراب والقلق ، هذا الغضب والغيظ والملل ،هذا الخوف ، أصبحت ترى أشباح من اليأس والضعف  تحيط بك وتحاصرك ، وفى وسط كل هذا مازال لديك صوت من الأمل ينفض عنك كل هذا ، لا تضعف ..لا تيأس .. لا تخف .. لا تقلق  ، أرجوك اتبع هذا الصوت و تمسك بما يقول ، فمهما كانت الظروف ، مهما كان الموقف ، الأمل يفيدك واليأس لا يفيدك ، سينتصر المستقبل لمن احتفظ بثباته وشجاعته وأمله ، إذا ظننت أننا سننجو ؛ سننجو

علمانيون ، ومجلس عسكرى ، وقوى سياسية ، وفضائيات ، وإخوان ، ووزارة شرف ، ووثائق فوق دستورية ، وسلفيون ، ومحاكمات للنظام ، وليبراليون ، ونشطاء ، وداخلية ، وحركات ، ومحاكمات عسكرية ،و إعتصام ، وجرائد ، شكل عام من الفوضى و العشوائية ، الثورة تواجه ما كان فى حسبانها وما لم يكن

فى 2009 وقعت تلك الحادثة ، بصيغة أفضل فى 2009 حدثت تلك المعجزة ، كان هذا فى نيويورك عنما أبلغت  طائرة إيرباص  بعد ثوانى من إقلاعها بأنها واجهت سربًا من الطيور التى اصطدم بعضها بأحد المحركات ، لم يكن من الممكن العودة للمطار وليس هناك مطار أو ممر أو مكان للهبوط قريب بما يكفى ، أخبر الطيار برج المراقبة أنه سيهبط على نهر هدسون (!!) ، وطلب من الركاب الذين شاهدوا المحركات المشتعلة من النوافذ أن يستعدوا للاصطدام ، استدعى الطيار كل خبرته مفاديا طائرة شراعية والقوارب الراسية على جانب النهر وهبط على سطح المياة الباردة ، والنتيجة : هبوط ناجح بدون ضحايا على الإطلاق

خرج الركاب من الطائرة من أبواب الطوارئ ، كان الطيار هو أخر المغادرين بعد أن تأكد مرتين من أن الجميع غادروا ، وفى خلال دقائق وصلت قوارب الإنقاذ لانتشال الركاب الواقفين على أجنحة الطائرة ملامسين المياه التى تقترب حرارتها من الصفر ، وبعد لحظات كان الطيار يجلس على مقهى يشرب مشروبًا ساخنًا كأنه لم يفعل شيئًا مهمًا

تعرف الواقعة إعلاميًا بمعجزة على نهر هدسون ، وهو التعبير الذى استخدمه محافظ نيويورك ، والطائرة احتفظ بها لتصبح جزءًا من التراث الأمريكى ، كرم الطيار وتفاخر به كلا من بوش وأوباما وقدمت أوبرا حلقة عن الموضوع بالطبع

هذه ثورة موفقة إن شاء الله ، طيبة النوايا وإن ارتبك التعبير عنها ، سليمة الغرض حتى لو وقعت فى بعض الأخطاء ، قيادتها بيد من هو أفضل من الطيار الأمريكى ، لا تنظر إلى الأعلى ، انظر حولك ، قيادتها هى هذا الشعب الذى يستدعى خبراته وقت الأزمة ، هم أولئك المجهولون الذى ثاروا ثم شاهدوا آخرون فى الإعلام يتحدثون عن أنفسهم ، أولئك الذين يظهرون إلا عند الحاجة يخفى كل منهم وجهه ساجدا فى جمعة مليونية  فى الميدان ،  سننجو ، سنهبط بأمان وعلى الممر الذى نريد ، سنهبط بسلام من الله إن شاء ، وهو عند ظننا به ، فظنوا خيرًا ، ظنوا وطنًا أفضل 




الأربعاء، 13 يوليو 2011

تسعة عشر رجلاً غاضبًا



كيف يتخذ القرار فى المجلس العسكرى يا ترى ؟  البعض متأكد أن عسكرية المجلس تجعل ترتيب القيادة هو أسلوب اتخاذ القرار  وبالتالى القرار فعليًا بيد المشير ، البعض يرجح أن ربما هى الديمقراطية ببساطة عن طريق غالبية الأصوات ، شخصيًا أظن أن القرار لا يتخذ بالأغلبية بل بالتوافق ، حتى لا تخلق حساسيات واتجاهات سياسية داخل مجلس هو فى النهاية يدير مؤسسة عسكرية الاختلاف فى الرأى داخلها ترف خطير ، وربما كان هذا يفسر كثرة بالونات الاختبار ، والخبر ونفيه اللذان يصدران معًا ، نجرب رد الفعل على هذا فإن لم يكن فهذا وهكذا

وبالتأكيد أيًا كانت وسيلة اتخاذ القرار ، هناك مناقشات طويلة تدور بالمجلس ، مناقشات عن تعيين وعزل ومحاكمة وتطهير وموازنة وقوانين وتشريعات وانتخابات ، مناقشات لم يتخيل أعضاء المجلس التسعة عشر يومًا أن يخوضوها ، ولم يتوقع أى فرد منهم أن رأيه يومًا فيها سيكون مهمًا لهذه الدرجة ، مهمًا لمصير وطن

يذكرنى الأمر بفيلم أمريكى شهير جدًا ، الفيلم اسمه اثنا عشر رجلاً غاضبًا ، الاثنا عشر رجل هم هيئة محلفين فى قضية قتل ، أى هم من عليهم بعد أن استمعوا للشهود والمحامين والنيابة أن يقرروا إن كان المتهم مذنب أو غير مذنب ، لابد أن يكون القرار بالإجماع ، غير مذنب تعنى البراءة ، مذنب تعنى الإعدام ، وإن لم يجمعوا على رأى تحول القضية لدائرة أخرى ومحلفين جدد

القضية واضحة ، الأبن قتل ابيه ، يبدو القرار بسيطًا ، لكن الأمر لا يصبح كذلك ، يرى أحدهم أن عليهم أن يتناقشوا قليلاً قبل أن يقرروا موت أو حياة شخص ، يبدأ النقاش ولا ينتهى ، البعض متشكك من قراره ، البعض واثق جدًا ، احدهم متعاطف مع الشاب الفقير لأنه هو أيضًَا نشأ فقيرًا ، وأحدهم يرى فى الشاب ابنه العاق ويريد أن يعاقب فيه ابنه ، أحدهم يتأرجح فى رأيه ككرة البنج بونج ، بعضهم كل ما يهمه ان ينتهى الامر لأن لديه مشاغل ، يمر الوقت ، يتشعب النقاش ،يشعرون بالضغط ،  يزدادون حدة ، يزدادون عصبية ، يزدادون غضبًا ، لا مجال لإعادة سؤال  المتهم  ، لا مجال لإعادة استجواب الشهود ، ولابد أن يتخذوا قرارًا ، والقرار صعب ، مصيرى ، موت أو حياة

وحدهم ، شعر أعضاء المجلس أنهم وحدهم أمام مسئولية وطن تداعى كثير من جوانبه ، أمام ضغط خارجى وضغط داخلى ، أمام لعبة – حقيقة ً- لا يتقنونها ، أمام نخبة فسدت بفساد الوطن و اختلط فيها الغث بالسمين ، قوى سياسية اثبتت أنها لا تعبر عن الشارع ولا تؤثر فيه ، ، تضارب ومزايدة وشطط ومصالح ، وآخرون ينافقون  المجلس حفاظًا على مكاسب ما ، وهم عليهم أن يحولوا مطالب عامة إلى إجراءات وتعوزهم النصيحة الصادقة والدعم بالانتقاد ،  وتحت الضغط  يفلت التمسك بمظهر مدنى للفترة الانتقالية ، يغلب الطبع العسكرى على التطبع السياسى ، فنرى انفراد بالتشريعات وقرارات فوقية ومحاكمات عسكرية

الأولوية عند الجيش – ككل لا المجلس فقط – أن يحافظ على نفسه وعلى مؤسسته ، يريد أن يمر بأقل الاحتكاكات ، لا يريد صدامًا لا مع الأشرار ولا الطيبين ، هذا جيد ولكنه مستحيل ، هذه حسبه خاطئة ، الوطن كله اصطدم بما يفسده ، ولا يمكنه إلا أن يكمل ما بدأه ، وبما أنك قد أخذت جانب الثورة فعليك أن تتحمل مسئوليتك ، هذا ليس خيارًا ، وليس أمرًا قابلاً للتأجيل

ليس المجلس وحده من تراجعت أولوية مطالب الثورة لديه ، انشغل الجميع بحوارات معلقة بين السماء والأرض ، مدنية أم دينية ، ليبرالية أم إسلامية ، مرشحين لرئاسة جمهورية لا نعرف شكلها ، الدستور أولاً وكل أولاً جاءت بعده ، كلام يبدأ ولا ينتهى ، حتى صار من  مازالت مطالب الثورة أولوية لديهم قلة مندسة حقًا

كان الشارع هو النور الوحيد على الطريق ، فقط عندما يتحرك يلتفت الجميع ، وفجأة يتفق الجميع ، وعندما تصبح مئات الآلوف وأحيانًا  الملايين فى الشارع غاضبة من البطء ومن الأخطاء  ، يدرك المجلس المتردد المرتبك بعد تأخر أن هذا هو القرار ، فيخلع ما فى عنقه إلى عنق الثورة ،  الشعب قرر ،  الشعب يريد ، يقولها الشعب بلا وسيط ولا متحدث ولا إئتلاف ولا حزب