الأربعاء، 13 يوليو 2011

تسعة عشر رجلاً غاضبًا



كيف يتخذ القرار فى المجلس العسكرى يا ترى ؟  البعض متأكد أن عسكرية المجلس تجعل ترتيب القيادة هو أسلوب اتخاذ القرار  وبالتالى القرار فعليًا بيد المشير ، البعض يرجح أن ربما هى الديمقراطية ببساطة عن طريق غالبية الأصوات ، شخصيًا أظن أن القرار لا يتخذ بالأغلبية بل بالتوافق ، حتى لا تخلق حساسيات واتجاهات سياسية داخل مجلس هو فى النهاية يدير مؤسسة عسكرية الاختلاف فى الرأى داخلها ترف خطير ، وربما كان هذا يفسر كثرة بالونات الاختبار ، والخبر ونفيه اللذان يصدران معًا ، نجرب رد الفعل على هذا فإن لم يكن فهذا وهكذا

وبالتأكيد أيًا كانت وسيلة اتخاذ القرار ، هناك مناقشات طويلة تدور بالمجلس ، مناقشات عن تعيين وعزل ومحاكمة وتطهير وموازنة وقوانين وتشريعات وانتخابات ، مناقشات لم يتخيل أعضاء المجلس التسعة عشر يومًا أن يخوضوها ، ولم يتوقع أى فرد منهم أن رأيه يومًا فيها سيكون مهمًا لهذه الدرجة ، مهمًا لمصير وطن

يذكرنى الأمر بفيلم أمريكى شهير جدًا ، الفيلم اسمه اثنا عشر رجلاً غاضبًا ، الاثنا عشر رجل هم هيئة محلفين فى قضية قتل ، أى هم من عليهم بعد أن استمعوا للشهود والمحامين والنيابة أن يقرروا إن كان المتهم مذنب أو غير مذنب ، لابد أن يكون القرار بالإجماع ، غير مذنب تعنى البراءة ، مذنب تعنى الإعدام ، وإن لم يجمعوا على رأى تحول القضية لدائرة أخرى ومحلفين جدد

القضية واضحة ، الأبن قتل ابيه ، يبدو القرار بسيطًا ، لكن الأمر لا يصبح كذلك ، يرى أحدهم أن عليهم أن يتناقشوا قليلاً قبل أن يقرروا موت أو حياة شخص ، يبدأ النقاش ولا ينتهى ، البعض متشكك من قراره ، البعض واثق جدًا ، احدهم متعاطف مع الشاب الفقير لأنه هو أيضًَا نشأ فقيرًا ، وأحدهم يرى فى الشاب ابنه العاق ويريد أن يعاقب فيه ابنه ، أحدهم يتأرجح فى رأيه ككرة البنج بونج ، بعضهم كل ما يهمه ان ينتهى الامر لأن لديه مشاغل ، يمر الوقت ، يتشعب النقاش ،يشعرون بالضغط ،  يزدادون حدة ، يزدادون عصبية ، يزدادون غضبًا ، لا مجال لإعادة سؤال  المتهم  ، لا مجال لإعادة استجواب الشهود ، ولابد أن يتخذوا قرارًا ، والقرار صعب ، مصيرى ، موت أو حياة

وحدهم ، شعر أعضاء المجلس أنهم وحدهم أمام مسئولية وطن تداعى كثير من جوانبه ، أمام ضغط خارجى وضغط داخلى ، أمام لعبة – حقيقة ً- لا يتقنونها ، أمام نخبة فسدت بفساد الوطن و اختلط فيها الغث بالسمين ، قوى سياسية اثبتت أنها لا تعبر عن الشارع ولا تؤثر فيه ، ، تضارب ومزايدة وشطط ومصالح ، وآخرون ينافقون  المجلس حفاظًا على مكاسب ما ، وهم عليهم أن يحولوا مطالب عامة إلى إجراءات وتعوزهم النصيحة الصادقة والدعم بالانتقاد ،  وتحت الضغط  يفلت التمسك بمظهر مدنى للفترة الانتقالية ، يغلب الطبع العسكرى على التطبع السياسى ، فنرى انفراد بالتشريعات وقرارات فوقية ومحاكمات عسكرية

الأولوية عند الجيش – ككل لا المجلس فقط – أن يحافظ على نفسه وعلى مؤسسته ، يريد أن يمر بأقل الاحتكاكات ، لا يريد صدامًا لا مع الأشرار ولا الطيبين ، هذا جيد ولكنه مستحيل ، هذه حسبه خاطئة ، الوطن كله اصطدم بما يفسده ، ولا يمكنه إلا أن يكمل ما بدأه ، وبما أنك قد أخذت جانب الثورة فعليك أن تتحمل مسئوليتك ، هذا ليس خيارًا ، وليس أمرًا قابلاً للتأجيل

ليس المجلس وحده من تراجعت أولوية مطالب الثورة لديه ، انشغل الجميع بحوارات معلقة بين السماء والأرض ، مدنية أم دينية ، ليبرالية أم إسلامية ، مرشحين لرئاسة جمهورية لا نعرف شكلها ، الدستور أولاً وكل أولاً جاءت بعده ، كلام يبدأ ولا ينتهى ، حتى صار من  مازالت مطالب الثورة أولوية لديهم قلة مندسة حقًا

كان الشارع هو النور الوحيد على الطريق ، فقط عندما يتحرك يلتفت الجميع ، وفجأة يتفق الجميع ، وعندما تصبح مئات الآلوف وأحيانًا  الملايين فى الشارع غاضبة من البطء ومن الأخطاء  ، يدرك المجلس المتردد المرتبك بعد تأخر أن هذا هو القرار ، فيخلع ما فى عنقه إلى عنق الثورة ،  الشعب قرر ،  الشعب يريد ، يقولها الشعب بلا وسيط ولا متحدث ولا إئتلاف ولا حزب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق